ماذا ينتظر العرب..؟

عبد الله إسحاق

كل شيء مؤجل، كل شيء إلى حين.. هكذا تبدو السياسة العربية في مجملها، منذ ربع قرن أو نحوه!
الانتظار مهيمن، والتأجيل مسيطر.. من انتظار إلى انتظار، ولا شيء غير الانتظار!!
انتظرنا حين كنا طرفا في اللعبة يملك أوراقا مثل غيره من اللاعبين، ثم أصبح الانتظار هو اللعبة ذاتها - أو تحولت اللعبة إلى انتظار، لا فرق - بعد أن تطوعنا بإعطاء أمريكا ‎%‎90‎ من أوراق اللعبة..
أما اليوم ، وقد أصبحت الأوراق كلها - ونحن أيضا - في يد أمريكا ‎%‎100، فماذا ننتظر؟
لقد أصبحنا نحن اللعبة التي يتلهَّى بها الآخرون ويتنافسون حولها، بعد أن حَكمْنا على أنفسنا بالعَدَمِية و«اللاّشَيئِية»، ورَهنّا مصيرنا بانتظار الآخرين وترقب ما يفعلون.
تقترب وِلاية رئيس أمريكي من نهايتها، فنجد أن الوقت غير مناسب، لأن «الرئيس» في سنة الانتخابات والسنة التي قبلها، مشغول بأوضاعه الانتخابية والإعداد لولاية جديدة، له أو لغيره، وليس من «اللياقة» أن نزيد همومه أو نضيف إلى اهتماماته.. فننتظر نتائج الانتخابات، والقادم الجديد..
ثم تنتهي الانتخابات، ويأتي القادم الجديد، فننتظر أيضا، لأن «الرئيس» يحتاج إلى وقت كافٍ ليطّلع على الملفات المهمة ويرتب أولوياته، وهي بالطبع، ملفات ضخمة وأولويات كونية، ولا بد لاستيعابها من وقت لا يقل عن السنتين.. وبعد السنتين الأوليين يبدأ الإعداد لوِلاية أخرى وترتيبات جديدة، وهكذا.. فولاية الرئيس في الدستور الأمريكي لا تزيد على أربع سنوات، ونحن لا نستطيع تغيير هذا الدستور، كما أننا لا نملك الخروج على أحكامه!
وإذا حصل وكان القادم الجديد هو القديم العائد نفسه، كما كان الحال مع الرئيس الأمريكي السابق (أو الأسبق) رونالد ريغان، فإن الأمر لا يختلف كثيرا. فالولاية الجديدة غير الولاية السابقة، ولا بد من إعادة تقييم الأوضاع، وإعداد ترتيبات مختلفة. وإن كان لا بد من تغيير، فلْيكن ذلك بتأكيد السيطرة وإثباتها على اللعبة ذاتها.
وهكذا دشن «ريغان» في ولايته الثانية، أول هجوم عسكري أمريكي مباشر على دولة عربية، حيث قامت الطائرات الحربية الأمريكية بغارات مكثفة، ودون سابق إنذار، على المدن الليبية عام 1986.. ثم أقدم على توقيع أقوى «اتفاق استراتيجي» أمريكي صهيوني، وأول اتفاق من نوعه يتم الإعلان عنه.. ليأتي نائبه السابق والرئيس من بعده، جورج بوش، فيكمل المسيرة وينجز المهمة «على خير ما يرام»!!
وها نحن اليوم ننتظر «الفتى كلينتون»، وما يحمله في جعبته من «سهام» وصواريخ، بعد أن «خَذلَنا» بوش وخيب آمالنا في إعادة انتخابه!
ليس هذا كل شيء مما هو معروف ومشهود (وما خفي أعظم)، بل هذه مجرد عيّنة بسيطة لما جناه علينا انتظارنا وترقبنا لما يفعله لنا، وبنا، الآخرون..
ثم ماذا أيضا؟ ماذا ننتظر من الآخرين أكثر من ذلك؟ بل، لماذا ننتظرهم أصلا؟!
ألم يَحِن الوقت بعدُ لننتظر من أنفسنا شيئا؟ لنتحرك.. ليكون لنا فعل، أو ردة فعل توازي قوة الفعل المسَلَّط علينا، أو تخفف صدمته على الأقل؟!
أليست لدينا القدرات والإمكانيات التي تمكننا من الحركة والفعل؟ بل، أليست قدراتنا وإمكانياتنا ذاتها، مصدرا رئيسيا من مصادر القوة لدى الآخرين، ليفعلوا بنا وفينا ما يشاؤون؟!!
لِمَ لا نستعيد هذه القدرات والإمكانيات، أو نكون شركاء في مردودها على الأقل؟
لكن، من «نحن»، أولا، حتى تكون لنا قدرات أو إمكانيات؟!
إن حالة التمزق والضياع التي يعيشها العرب حاليا، هي المسؤولة عن كل ما أصابنا، وما سيصيبنا في المستقبل أيضا، إذا استمرت الحال بنا هكذا.. وديننا الحنيف يؤكد {إن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم}.
وإذا أردنا أن نغير ما بأنفسنا، لا بد أن نعرف من «نحن» أولا، وماذا ننتظر من أنفسنا، قبل أن ننتظر الآخرين..
—————
تاريخ النشر: 26 نوفمبر 1992
صحيفة «الخليج» الإماراتية