من وحي العشر الأواخر من رمضان

كتبت النجاح بنت محمذن فال:

تحن نفوس الصائمين وجدانيا إلي عودة رمضان خاصة عندما تطل العشر الأواخر،هذا بالنسبة للخواص من العباد ..يأتي ذلك بدافع التعلق بمزيد من عيادة الخالق لكنه احيانا اخرى ياتي بدافع حب الحياة الذي هو غريزة بشرية ..

وفي ثقافتنا الشعبية فإن العامة يستلهمون من الحيوانات في تصور لمرور الزمن فيستمدون من سرعة الخيل بالنسبة للعشر الاوائل والإبل بالنسبة للثلث الثاني اي العشر الثواني ومن الحمير بالنسبة للعشر الأواخر لأنها تاتي وقد تعب الصائم

..وفي رمضاننا هذا ازدان السجال الشعري بتخليد العشر الأواخر ببعض الأشعار التي أثرت المكتبة الشعرية الموريتانية في تطور جديد للسجال الشعري عندنا ..لا يتعلق الأمر فقط بمضمون النكت التي تتناولها هذه الاشعار فذلك له أبعاده في ثقافتنا الشعرية ، لكنه يتعلق بتضمين الصيام والشهر الكريم خاصة أواخره ، في الشعر الموريتاني الذي كان – إلى وقت قريب – بمنأى عن تناول الصيام إذا ما استثنينا ادب السهرة الرمضانية في التلفزة الموريتانية

انتظم السجال حول العشر الاواخر هذه المرة بين أدباء من نفس المنطقة يعرف بعضهم بعضا مما ينسجم مع طبيعة النكتة – اللغز التي تعني في المنطقة أن هناك قبيلة معينة لاتذكر هذه المسالة بحضورها اي ان لكل قبيلة مايخصها من ذلك ( المحذور)على سبيل الدعابة (فهم اولاد ابييرى مثلا) لذلك جاءت تضمينات النكت شعرية للتخفيف من متاعب الصوم وخاصة حين تطل العشر الأواخر ..فهذا هو الأديب يعقوب اليدالي يشتكي أثقال أيام هذه العشر لصديقه الشاعر في أبيات أشارت إلي العشر الاوائل على انها تسير بسرعة الخيل واختزلت عشر الإبل في العشر الأواخر تمهيدا للوصول إلي (المحذور)عند مجموعة الشاعر احمدٌُ ابنُ

أأحمدُ قد مرَّتْ ليالٍ زُهَا عَشْرِ***

سِرَاعاً كَركْضِ الخَيْل فِي مَهْمَهٍ قَفْرِ

وَهَاهِيَ عَشْرٌ فِي المَسِيرِ كَأنَّهَا

(قِلاَصُ عَدِيٍّ أو قِلاَصُ بَنِي وَبْرِ)

أُذَكِّرُكَ العَهْدَ الذي كان بيننا***

ولا سِيَّمَا فيما تَبَقَّى من الشَّهْرِ

قد يتضح للقارىء العادي مالمقصود من قِلاص بني وبر والواقع أن المقصود ورد في جزئيتين

الأولى أن الإيحاء اللغوي (لبني وبر ) هو الحمير

الثانية أن الحمير هم محل المحذور لمجموعة احمد ولد ابن المعني بالابيات .. ) فعلي المستوي العَامي يعدها العامة بطيئة كسير الحمير وعن ذلك كني الأديب الظريف يعقوب بأن جعل القلاص مكان الحمير واكتفي بوصفها بذي وبر إشارة للحمير وكأنه يومئ إلي الشاعر احمد هذه عشيرتكم في إشارة ظريفة إلي محذور مجموعته الذي هو (الحمير)
اما الأديب المخضرم احمدو ولد ابن فقد اجاب

سلام على يعقوبَ يعبق بالعطْر***

سليلِ بدور العلم والفضل والذكر

يسابق فيه الردُّ أسرعَ بارقٍ***

أضمنه بيتاً قديماً من الشعر

(إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً***

ندمت على التفريط في زمن البذر)

يضمن الأديب احمدٌُ ولد ابنٌ هنا أبيات أبي الحسن الجرجاني في ذم البخل من قصيدته المشهورة

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً***

ندمت على التفريط في زمن البذر

اما الهدف من التضمين هو ذكر البذر لان محذور مجموعة يعقوب هو البذور (لحريثة ) بالحسانية التي لها عدة حكايات في مخزون الذاكرة الشعبية في منطقة اترارزة خاصة مع الاديب الديماني الظريف باب فال .

قد يطرب هذا السجال اي متلق فما بالك إذا كان المتلقي هو الأديب الباحث سيد أحمد ولد أمير الذي علق علي سجال الشاعرين يعقوب واحمد قائلا

وحقِّ الليالي البيض والشفعِ والوترِ ***

وما أقسم المولى به جل في الذكر

لقد أحسن الندبان: أحمدُّ شمسُنا ***

ويعقوب من عالى على هالة البدر

لَجاءا بشعر كالشٌقائق بهجةً ***

وكالروض قد غصت روابيه بالقطر

ترى نوْره والصفر منه فواقع ***

وبيض يعاليل تُرصَّعُ بــ”الحُمْر”

لايكتفي الاديب الدكتور سيد احمد ولد امير بالاستلهام من العشر الأواخر بل يذهب إلى التأصيل لما لها من فضل خاصة حين يستلهم من ذكرها في القرآن ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)على القول القائل بأن ليال عشر تعني العشر الأواخر

أما الجزء الاول من مقصود النكتة فَيعبر عنه البيت الموالي

ترى نوْره والصفر منه فواقع ***

وبيض يعاليل تُرصَّعُ بــ”الحُمْر”

وهو البيت الذي يستهدف احد الاديبين وهو أحمد ولد ابن لاَن المحذور عند مجموعته الحمير

أما الجزء الثاني من مقصود النكتة فهو زهرالروض المعروف عندنا محليا

ب( ارْبيع) كما في تشبيه ولد أمير لشعر الأدبين يعقوب وأحمد :

لَجاءا بِشعر كالشٌقائق بهجةً ***

وكالروض قد غصت روابيه بالقطر

لكن المحذور موجه للأديب حمم بن عَاون من اجل جذبه إلي السجال وهو ماعبر عنه البيت :

ترى نوْره والصفر منه فواقع ***

وبيض يعاليل تُرصَّعُ بــ”الحُمْر”

وذلك هو الجزء الثاني من مقصود النكتة ..وقد جاء الرد سريعا من الأديب حمم ملمحا المحذور مجموعة سيد احمد ولد أمير المتمثل بالطيور

.عليكم سلام الله يا نخبة الشعر

فقد هجتم شعرا بيانا من السحر

فلا والذي حج الملبٌُون بيته

بقدرته تجري السفائن فى البحر

لقد نفض الاسماع سحر بيانكم

كما انتفض العصفور من بلل القطر

فيا نفس جودى بالقريض وسحره

سقيت الغوادى من قريض على وكر

لييس ادب السجال حول ( المحذور ) بجديد علي المدونة الشعرية الموريتانية خاصة في منطقة اترارزة سواء علي مستوي شعر العربية أو الحسانية ، لكن الجديد هو الاستلهام من العشر الأواخر وتوظيف الدعابة لتخفيف آثار الصوم.