أربع وعشرين ساعة من حياة المرحوم "أدو" ولد سيد الأمين

 

من هول الصدمة، وجسامة الحدث، تعجز الكلمات, وترتعش الأنامل, وتضن الأفكار, عندما أحاول بأيها أن أعبر عن مدى الحزن والألم والأسى لفراق أخي وصديقي وابن عمي الغالي,  سيد احمد "أدو" ولد سيد الأمين تغمده الله بفسيح جناته.

من حسن حظي أن الفقيد زارنا قبل أيام في سيلبابي , وسبحان الله كأنها كانت زيارة مودع . خلال أربع وعشرين ساعة فقط حصل معه في هذه الزيارة ما يعجز الآخرون عن تحقيقه خلال سنوات.

بعيد وصوله مباشرة, نعي إلينا بالهاتف أحد سكان المدينة حوالي العاشرة ليلا , وهممنا أهل المدينة بالإنطاق لحضور جنازته, على أن نعود لضيفنا الذي يحتاج قسطا من الراحة بعد سفر طويل , انتفض واقفا وقال: من ذا الذي يقعد عن عمل من أعمال الخير وهبه الله له من غير ميعاد.

في المقبرة وفي انتطار أن يكتمل تجهيز الميت جلست وإياه ونفر من المعارف في طرف المكان , بدأ يذاكرويعظ , ينثر درر الحديث الممتع  والمفيد على الحضور, يرغب في أعمال الخير ويبين بالأدلة النقلية والعقلية مصير من جانب الطريق المستقيم .

أذكر مما جاء على لسانه, أن حمد الله وأثنى عليه وأن من عليه بأن زارا هذه المدينة لأول مرة حتي يمشي في جنازة هذا المسلم الذي لم يره في حياته ويصلي عليه, وأن يزور هذه المقبرة من مقابر المسلمين حتى يترحم على أرواح إخوة له في الدين قضوا فيها إلى ربهم قبل أن يلحق بهم , وأن حقهم عليه وعلى كافة زوارهم في الدعاء واجب,  وحمد الله أن جلس هذا المجلس مع هؤلاء المشيعين  الذين اتحدت مشاعرهم وتآخت قلوبهم قبل أن تتعارف شخوصهم أو تتلاقى وجوههم .

 استرق بعض  المشيعين  السمع فاقتربوا منا فرادى وجماعات, وبدأت الحلقة تكبر وتكبرمن حولنا وحق للجميع ذلك, فقد نزلنا نحن عطاش القلوب موردا زلالا يشفي الغليل وتطمئن له النفوس.

بدأ الهمس حوالينا ما بين ذا وذاك ,وبين ذاك وذلك , من هذا الشاب ومن من هو , ومتى جاء وما الذي جاء به , اللهم بارك فيه , اللهم جازه خيرا ...

عندما انفض المجلس تداعى إليه الجميع, الكل يدعو له , والكل يرجو منه الدعاء , تجانس غريب وانسجام عجيب, حتى لتحسب أن الرجل ابن المدينة وهو الذي لم تطأ قدماه  الكريمتان أرضها قبل تلك الليلة, وتأكد لي ذلك الإحساس والإنطباع  يوم فاجعتنا فيه رحمة الله عليه , فوالله العظيم إن من بين معزينا فيه  بعد رحيله , للأشعث الأغبر من من لم أره من قبل, غير انه سمع أن المتوفي هو ذلك الفتى الطيب الذي كان يعظهم  تلك الليلة عند المقبرة , وأحس أن من واجبه أن يعزي أهله  فيه.

كان رحمة الله عليه في زيارته الأخيرة تلك رفقة أطفاله الصغار حفطهم الله ورعاهم, وله مع الأطفال كما له مع الأهالي والأصدقاء والمعارف ما يحتاج لمؤلفات ومؤلفات,  لم يلهه قصر المدة ولا انشغالات  وأحاديث الزائرين, أن خصص لأطفاله ولإخوتهم من مضيفيهم الصغار جانبا من منزلنا, لإجراء مسابقة  في حفظ  سورمتفرقة من القرآن , وأسئلة متفرقة في الحديث والسيرة النبوية  وقصص القرآن.

أما المدعوون للمقيل معه من راشدين, فحدث ولا حرج عن ما استفادوه من الرجل, وعن ما انطبع في ذاكرة كل منهم,  عن حلاوة مجالسته , وطلاوة حديثه , وحسن ودماثة خلقه .

في تلك الزيارة حدثني عن أنه لم يكن على اطلاع بهذه الجهة من الوطن , وعن حاجتها الماسة لنشر كتاب الله, وعن ضرورة إشراكها في برامج الدعوة وحفط القرآن الكريم التي أعرف أنه كرس حياته القصيرة العريضة لها , بل  وطلب مني مساعدته في البحث عن من يقومون له على فروع من معهد ورش  في هذه الولاية ,لأنه عازم إن شاء الله على إشراكها في برامجه الخيرية والدعوية مستقبلا.

الله المستعان, عبارته المفضلة عند كل موافقة لحديث, أو أي قرار هم بالقيام به, أوصيك وأوصي نفسي بتقوى الله ,  كررها وهو يعانقني في الوداع الأخير...في  اللقاء الأخير !!!!

يا الله , يا حي ياقيوم , يابديع السماوات والأراضين, يا من رحمتك وسعت كل شيئ, ارحم عبدك المؤمن المحتسب الصوام القوام , باذل الجهد والمال من إجل إعلاء كلمتك, سيد أحمد ولد سيد الأمين , وأسكنه فردوسك الأعلى مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقسن والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 

بقلم : شيخنا ولد محمد فال.