جهود رابطة العالم الإسلامي في محاربة الغلو والتطرف ونشر قيم العدل والسلام العالمي

 

دأبت رابطة العالم الإسلامي منذ لحظة إنشائها على مواصلة الحركة الدؤوبة في العلم والفكر الوسطي في ضوء ينابيع الإسلام الصافية والوقوف في وجه كل انحراف وتعقيد فكري يعكر صفو الأمة أو يؤخر تقدمها في أي مجال من مجالات الحياة كلها وخاصة في المجال العلمي والفكري والتضامن الإسلامي ولا أبالغ إذا قلت انه قل أن يمضي شهر إلا ولها فيه أنشطة عديدة في مختلف المجالات التي تخدم الأمة وشعوبها ، وتساهم في بناء الحضارة والقيم والمثل العليا الرفيعة في أصقاع العالم وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء نلاحظ أنه في الفترة الأخيرة أقامت الرابطة فيه عشرات المؤتمرات المتواصلة في مختلف قارات العالم كل مؤتمر من هذه المؤتمرات تعالج فيه مايناسبه من القضايا الكبرى التي تساهم في نشر فكر الوسطية والعدل والسلام العالمي ، سواء كان الحوار اسلاميا اسلاميا ، أم اسلاميا عالميا ، وقد حالفها التوفيق في هذه المؤتمرات كلها فكانت لها نتائج مثمرة وبناءة نتيجة لحكمة القادة في الأمانة العامة وتجشمهم للصعاب في خدمة الأمة ونصرة قضاياها وفق منهج الوسطية الذي يتلاءم ومقتضيات العصر ويقوم على أسس الوسطية في ضوء ينابيع الاسلام الصافية كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو منهج ظلت الرابطة تحافظ عليه وترعاه وتستقي منه أهدافها النبيلة وتعتبره منهجها ونظامها فهو منهج وسط لأمة وسط منهج الاعتدال والتوازن الذي سلم من الافراط والتفريط ، أو من الغلو والتقصير ، فجاء نسيجا فريدا متكاملا ، فلا افراط ولا تفريط في عقيدته وتشريعه وسلوكه وأخلاقه بل توسط واعتدال ، قال الامام الطبري : وصف الله هذه الأمة بالوسط لتوسطها في الدين ، وقد نادى الاسلام أتباعه بضرورة التوسط والاعتدال في كل شيء بلا افراط ولا تفريط بل اتباع لمنهج الاسلام واعطاء لكل ذي حق حقه ، يدل لذلك قوله تعال ( والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) وقوله عز وجل ( ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) ، وقد منح الاسلام الانسانية مزية فائقة بوسطيته ومرونته وتكامله إلى حد أنه أقنع بعض المفكرين من غير المسلمين بتفوقه في الاعتدال والوسطية ومقددرته على التألف بين البشرية .
يقول هاملتون جوب : أؤمن أن الاسلام لا تزال له رسالة يؤديها الى الانسانية جمعا حيث يقف وسطا بين الشرق والغرب وانه أثبت أكثر مما أثبت أي نظام سواه مقدرة على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة ، فاذا لم يكن بد من وسيط يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الاسلام .
هذه نماذج تلقي الضوء على وسطية الاسلام وسماحته ويسره ورفع الحرج فيه واعتدال فكره وتشريعاته ، وقد تبنتها الرابطة في منهجها ودعوتها وسلوكها طيلة تاريخها المجيد .
ومن هنا ينبغي التنويه والاشادة بدور الرابطة المتألق في مناهجها الفكرية الوسطية ودعوتها للسلام العالمي والتعايش الحضاري بين الأمم والشعوب ومختلف جميع الحضارات والثقافات لبناء حضارة انسانية يسود فيها التعاون بين كافة بني البشر على اختلاف اجناسهم وألوانهم وأديانهم ، وقد كان للرابطة قدم راسخ في التعاطي مع هذه القضايا في خطابها الاسلامي ومنهجها في الحوار الذي يمكن اعتباره مثالا في الاعتدال والوسطية التي خص الله بها هذه الأمة من بين سائر الأمم والتي هي منهج أهل السنة والجماعة ، والرابطة فوق ذلك كله لها نظرة شاملة لدين الله عز وجل وفهم عميق لجذور البلاء ومكامن الخطر فتصرف الدواء على بصيرة من تشخيص الداء وتعطي كل قضية حجمها من دين الله فلا تبالغ فيما خطبه يسير ولا تهون من شأن أمر خطير والاتصاف بهذه الشمولية وبهذا التوازن في التعامل مع قضايا هذا الدين هو مفهوم الخطاب الوسطي والسلام العالمي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة ويتلاءم مع مقتضيات العصر ، وبهذا الخطاب الاسلامي الرصين المؤصل استطاعت الرابطة أن تقف بحزم في وجه الغلو والتطرف والعنف والارهاب بناء على فهم سديد وسلوك ومنهج قويم يؤكد على معاني العدل والتسامح والحوار والتواصل الحضاري ومن هنا فاننا ندعو الى الحواروالجدال بالتي هي أحسن والدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ونستذكر مقولة : الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، ونعلن للجميع أن دين الاسلام جاء مبشرا غير منفر وميسرا غير معسر خاليا من الحرج ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، فديننا دين رحمة ويسر وسهولة واعتدال ، ونرى أن قضية النهوض بالخطاب الوسطي وفق مقتضيات العصر تعتبر من أولويات القضايا المركزية لهذه الأمة فنحن أمة رسالتها الأساسية في هذه الحياة هداية الخلق ونشر الحق والعدل والخير وتعبيد الناس لقيوم السموات والارض ، كما أن وحدة الأمة واصلاح المجتمعات الاسلامية وتخليصها من حالة الوهن والغثائية من الهموم العامة لمعظم ابناء أمة الاسلام على تنوع أوضاعهم واختلاف طبقاتهم .
والله الموفق

 

بقلم الدكتور / الطيب بن عمر