
كتب الشاعر العماني الكبير سيف الرحبي تعقيبا مميزا على مقالي المنشور في اندبندنت : هذا زمن نهاية الرموز الأدبية... كتابا ونصوصا؟
رابط التعقيب:
https://x.com/saifrahbi_poet/status/1913223863653093569?s=46
على مفترق الوجود واللاوجود:
تعليق على مقال أمين الزاوي
سيف الرحبي
أفتتح صباحي هذا النهار بمقال الصديق أمين الزاوي الذي اعتاد كتابته في صحيفة الاندبندنت في نسختها العربية وهو يناقش بعمقٍ وألَمٍ ظاهرةً خطيرة ضمن الظواهر الكثيرة التي يفرزها عصر الاستهلاك السطحي السريع والساحق لكل معرفة وإبداع حقيقيين لتطفح على سطوح وعيِ القارئ الرقمي راهنا والذي مهدّت له عقود من السَّير الحثيث من قِبَل أنظمةِ الاستبداد والأدلجة القسرية للوصول الى هذه البرهة المرعبة التي يهيمن عليها الخواء والابتذال والضوء الخُلَّبي الكاذب للأسماء والكتب والمعارف التي لا تلبث أن تنطفئ ويطويها النسيان بعيدا عن الذاكرة والحياة.
في ضوء تلك المقولة التي ترى، بأن الشعوب والأمم، التي يُراد تحطيم حيويتها واندفاعها نحو المستقبل بكل ما يتطلبه من عناصر وأنظمة تتمتع بحرية البحث والتفكير، بعقلٍ خلَّاق وخيالٍ حر ، في مقدمة هذا التدمير والتحطيم تأتي الذاكرة المستهدفة الأولى، ذاكرة التاريخ، ذاكرة الرموز والأسماء والكتب ذاكرة المعرفة الحقيقية الخالقة للمستقبل.
يلاحظ الكاتب الأكاديمي الجزائري الكبير مثل بعض أقرانه في العالم، أن هذه الشعوب قطعت أشواطا كبيرة نحو اللاذاكرة واللارموز. فالكتب والأسماء التي تلمع بفعل منشطات خارجية كالجوائز والتسويق أو الاستجابة لسطحي الغرائز والرغبات، تلمع فجأة في أسواق الاستهلاك وتنطفئ بالسرعة نفسها.
اللاذاكرة هنا واللارموز واللاأسماء، لا يعني القطائع الابستمولوجية المعرفية المطلوبة في تخفيف أثقال الماضي وهيمنته من أجل فضاء إبداعي جديد أكثر ثراءً ومغامرة ودلالة يقتضيها البحث، ومن أجل تواصلٍ أعمق مع ذلك الماضي وتلك الرموز.
بل يعني في سياقنا الوصول الى الضياع والتخبط في الظلام الدامس لأعماق اللمعان العصري الاستهلاكي الزائف.
وتعيش المعرفة الحقة والإبداع الذي يشكل الرموز والكتب، العلامات، منفية في الهامش والرفوف الخلفية للمكتبات إن وُجِدت، ولتحتل التفاهة والاستهلاك المعرفي العابر الذي يشبه سائر البضائع الأخرى في (سوبرماركت العالم) وعالمنا العربي والشرقي خاصة إذ أن السحق والإبادة تنجز بضراوة على كافة الصعد المادية الجسدية والروحية المعرفية لتقف الأمة على شَفَا المفترق الانتحاري الأكثر خطورة في الوجود واللاوجود.
إذا لم تكن هناك وثبة شاملة ومشروع شامل عميق يطرح رؤيته المفارقة للراهن والمستقبل الملفع بغبار الموت والنهايات.
بداهة من أسس هذا المشروع، وعبر التجربة المريرة الطويلة، الحرية والبحث الإبداعي على كافة مستويات المعرفة علوما وآدابا وفنونا.
واستعادة الرموز أسماءً وكتبا أي استعادة الماضي المُختطَف مثل الراهن والمستقبل وخلق رموز جديدة. فالأرض العربية خصبة وحبلى بالولادات والمفاجآت.