
المرحوم سيدي محمد ولد عباس، الذي يُلقَّب بمحبّةٍ من بعض مواطنيه الأفارقة السود بـ«الكبير»، وُلِد سنة 1937. وكغيره من أطفال عصره، التحق بالمحضرة حيث تلقّى علوم القرآن الكريم، قبل أن يبدأ نشاطه في مجال التجارة الصغيرة في موريتانيا والسنغال.
وظل على هذا الحال إلى منتصف ستينيات القرن الماضي. ففي سنة 1966 سافر إلى بلد إفريقي آخر هو النيجر، حيث ابتسم له الحظ، فأسّس تجارةً عامة وأقام هناك حتى سنة 1974.
قبل ثلاث سنوات تقريبًا من مغادرته النيجر، بدأ ولد عباس يُعِدّ لعودته إلى الوطن الأم؛ فاشترى عام 1971 وحدة النجارة التابعة لـ SICM التي أصبحت «الشركة الموريتانية للبناء المعدني» (SOCOMETAL)، والتي ظلت طويلًا معلَمًا في نواكشوط يؤمّه سائقو سيارات الأجرة وغيرهم من مستخدمي الطريق. وكانت تلك بداية ملحمة النجاح التي دفعته ابتداءً من 1974 إلى نقل أنشطته كليًّا إلى موريتانيا.
وفي العام نفسه، نجح في الاستحواذ على الفرع الخاص بالسيارات في شركة SIEMI الممثل الحصري لسيارات «رينو». وبعد سنوات (1978) اشترى فرع «الشركة النيجرية الفرنسية» الممثل الحصري لسيارات «لاند روفر» و«سيتروين» ليدخل هو الآخر ضمن ممتلكات ولد عباس. وفي عام 1980 حصد رجل الأعمال سيدي محمد أول تتويج له في بلاده؛ إذ انتُخِب رئيسًا لأرباب العمل الموريتانيين، وهي الهيئة التي اتخذت لاحقًا اسم «الاتحاد العام لأرباب العمل الموريتانيين» (CGEM). وأُعيد انتخابه تواليًا في أعوام 1982 و1986 و1990 و1994 و1998.
عام 1983، خطا خطوةً على مستوى الإقليم بإنشاء «اتحاد أرباب عمل دول حوض نهر السنغال» (COFES)، وقد اختير رئيسًا له. وفي العام نفسه أسّس «الشركة الموريتانية لترقية الصيد التقليدي» (SPPAM) بهدف تطوير قطاع الصيد.
في عام 1985 شكَّل ذلك منعطفًا في مساره المهني؛ إذ امتلك حصةً أقلية في «البنك العربي-الإفريقي في موريتانيا» (BAAM) وأصبح عضوًا في مجلس إدارته. ثم في 1986 انتقلت غالبية أسهم البنك إلى القطاع الخاص، فحوِّل البنك إلى «البنك الموريتاني للتجارة الدولية» (BMCI) وتولى ولد عباس رئاسته وإدارته العامة.
عام 1989، استحوذ القطاع الخاص الموريتاني على أغلبية أسهم شركة «بريتش بتروليوم موريتانيا» التي أصبحت لاحقًا «إلف أويل موريتانيا» ثم «ستار أويل موريتانيا»، ليصبح ولد عباس أكبر مساهم فيها.
تقديرًا لجهوده الجبارة ونجاحه الباهر، اختارته مجلة «جون أفريك إيكونومي» سنة 1992 «مصرفي إفريقيا للعام». وفي 1998، انتُخِب رئيسًا لاتحاد بنوك المغرب العربي. كانت هذه بعض المحطات من مسيرة الكفاح لسيدي محمد ولد عباس.
وما زلنا بعيدين عن الإحاطة بكل إنجازاته، إذ استثمر الرجل في قطاعات عديدة من الاقتصاد، وكان مولعًا باكتشاف مجالات جديدة؛ فكان أول من تحكّم في تمثيل علامة سيارات في موريتانيا، وأول من استثمر في قطاعات الصيد والبنوك والنفط.
واعتبارًا من 1986، وبسبب مسؤولياته المصرفية، بدأ ينسحب تدريجيًّا ليبقى حاضرًا فقط في القطاعات التي لا يستثمر فيها زبائنه.
بعيدًا عن عالم الاقتصاد والمال، كان لعباس بُعدٌ إنساني آخر؛ إذ كان شديد الحساسية تجاه معاناة الآخرين. فقد موّل من ماله الخاص مشروعات اجتماعية عديدة: من مستوصفات وتجهيزات صحية.
كما أسّس وموّل العديد من المبادرات التعليمية (مثل مدرسة شمس الدين)، والرياضية، ودعم الصحافة المستقلة. وشارك في منظمات خيرية كثيرة، منها الهلال الأحمر ونادي ليونز.
منقول