
في خضم العواصف الفكرية والنقاشات المحتدمة حول الهوية والوحدة الوطنية، يطفو سؤال مصيري على سطح الوعي الجمعي: إلى أين تتجه موريتانيا؟ هل ستظل أسيرة جدليات الانتماء والعرق والقبيلة، أم أنها على أعتاب ولادة جديدة، تقودها إرادة سياسية جريئة وشخصية تاريخية لا تخشى كسر التابوهات؟
ليس السؤال من يحكم، بل كيف يحكم؟ فهل يكفي أن يصل حرطاني إلى سدة الحكم ليُحلّ عقدة التهميش؟ وهل يكفي أن يتولى زنجي مقاليد السلطة ليُطفئ نار الإقصاء؟ الحقيقة أن العدالة لا تُقاس بلون البشرة، بل بميزان الإنصاف، ولا تُبنى الأوطان على رمزية الأصول، بل على قوة الإرادة ونقاء المشروع الوطني.
ما تحتاجه موريتانيا اليوم ليس مجرد رئيس، بل رجل مرحلة... قائد لا يُغريه بريق السلطة، بل يشغله همّ الوطن. رجلٌ يرى في موريتانيا فسيفساء غنية، لا فصائل متناحرة. رجلٌ يخلع عباءة القبيلة، ويكفر بقدسية الجهة، ويؤمن أن المواطنة هي الهوية الوحيدة التي تستحق الولاء.
رجلٌ يحمل مطرقة العدالة، لا عصا المجاملة.
عين ماهى في أكفاه، بل تحلق في سماء الوطن، ترصد المصلحة العامة وتُقصي النزعات الضيقة.
خابط "حماره بين الوذنين"، لا يتردد، لا يساوم، لا يهادن في الحق.
هذا الرجل يجب أن يكون وطنيًا حتى النخاع، لا يرضى بأنصاف الحلول، ولا يخضع لابتزاز المصالح. رجلٌ يُعيد تعريف السلطة كأداة للبناء لا وسيلة للهيمنة، ويُرسّخ دولة القانون لا دولة الأشخاص.
موريتانيا الغد... كيف نراها؟
موريتانيا التي نحلم بها ليست مجرد خريطة، بل وطنٌ يحتضن الجميع دون تمييز. وطنٌ تُصان فيه الكرامة، وتُحترم فيه الحقوق، ويُحتكم فيه إلى القانون لا إلى الأعراف. وطنٌ تُفتح فيه المدارس للجميع، وتُوزّع فيه الفرص بعدالة، ويُحتفى فيه بالتنوع لا يُخشى منه.
لكن هذا الحلم لن يتحقق إلا إذا اجتمعنا على كلمة سواء: أن نبحث عن رجل المرحلة، لا رجل القبيلة. أن نُراهن على المشروع، لا على الشخص. أن نُحاكم الخطاب، لا الخلفية.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا، لكنه لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية:
هل سنجد رجل المرحلة الذي يُنقذ موريتانيا من مرايا الماضي ويقودها نحو أفق العدالة والمساواة؟
الجواب ليس في صناديق الاقتراع وحدها، بل في ضمير كل مواطن يؤمن أن موريتانيا تستحق الأفضل.
محمد علوش القلقمي