محمد محمود ولد أحمد لولي: الرئيس الذي هرب من السلطة إلى ضمير الإنسانية

يُعتبر الرئيس الموريتاني الأسبق محمد محمود ولد أحمد لولي (1943 – 2011) واحدًا من أبرز الشخصيات التي مرّت على تاريخ البلاد في لحظة انتقالية حساسة. تولى الحكم في أعقاب انقلاب 6 أبريل 1979، ليقود الدولة لمدة تسعة أشهر فقط، قبل أن يعلن تخليه الطوعي عن السلطة في مشهد نادر في التجارب السياسية العربية والإفريقية.

منذ البداية، لم يكن المنصب مغريًا للرجل؛ فقد كان يصفه دائمًا لرفاقه في اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بأنه “كرسي من جمر”، ويُلح عليهم أن يختاروا غيره لتحمل المسؤولية. لكن إصرارهم على أنه يتمتع بالصفات الضرورية – من استقامة وانضباط – جعله يقبل مضطرًا قيادة البلاد في ظرف دقيق.

خلال فترة حكمه القصيرة، ظل يتعامل مع موقعه بقدر كبير من التحفظ والتواضع، بعيدًا عن مظاهر الزعامة والسلطة. وقد تجسد ذلك في موقف إنساني بليغ يروى عنه، حين استوقفته سيدة مسنّة في أحد أحياء نواكشوط الشعبية، لم تكن تعرف أنها تخاطب رئيس الجمهورية، لتطلب منه ثمن وجبة عشاء بعد أن أمضت ثلاث ليالٍ بلا طعام. تأثر الرجل بشدة، وأنزلها إلى سيارته، وأمّن لها مؤونة عاجلة ودعمًا ماليًا، ثم عاد في اليوم التالي ليرسل إليها مؤونة تكفيها عدة أشهر. كان ذلك الموقف – كما يُحكى – الشرارة التي رسخت لديه قناعة حاسمة بأن السلطة عبء ثقيل أمام حقوق الناس.

بعد أيام قليلة، استدعى رئيس وزرائه آنذاك محمد خونا ولد هيداله، وأبلغه بقراره النهائي بالتنحي، معتبرًا أن الأخير أصلح لقيادة البلاد بما عرف عنه من قوة في الحق ورأفة بالضعفاء. ثم اجتمع باللجنة العسكرية، وتخلى رسميًا عن رئاسة الدولة ورئاسة اللجنة في آن واحد. وخلال الجلسة، نُقل عنه قوله:
“الحمد لله الذي أراحنا من حقوق العباد، والحمد لله الذي ساق إليّ تلك المسكينة لأتخلص من حقها وحقوق غيرها.”

بهذا الموقف، دخل محمد محمود ولد أحمد لولي التاريخ الموريتاني باعتباره الحاكم الذي غادر السلطة طوعًا لا هروبًا من انقلاب أو ضغط خارجي، بل استجابة لصوت الضمير. وقد ظلّ اسمه مرتبطًا بالزهد ونظافة اليد، وبتلك الحكاية الإنسانية التي جسدت إحساسه العميق بالمسؤولية أمام الله والناس.

رحم الله الرئيس محمد محمود ولد أحمد لولي، وجعل تلك المواقف المشرقة في ميزان حسناته.