في ذكرى وفاة جمال عبد الناصر

كانت المرة الأخيرة التي رأيتُ فيها الرئيس جمال عبد الناصر في 7 سبتمبر 1970، وأنا عائد من المؤتمر الثامن لمنظمة الوحدة الأفريقية المنعقد في أديس بابا، حيث وجَّه إلي دعوةً لزيارة مصر من 5 إلى 7 سبتمبر 1970. وكان عليه أن يحضر هذه القمة، لكنه لم يتمكن من ذلك في آخر لحظة فكلّف رئيسَ وفده بالاتصال بي وإبلاغي دعوتَه للمرور بالقاهرة إن أمكن ذلك قبل أن أتوجه إلى لوساكا لحضور القمة الثالثة للدول غير المنحازة.
وكان عبد الناصر خلال هذه الزيارة أكثر تودداً ولطفاً وحماساً من أي وقت مضى، وهكذا استقبلني مرتين: إحداهما في دعوة لعشاء بمنزله حضره معاونون والمقربون منه، كما حضره أعضاء وفدنا. أما اللقاء الثاني فكان مقابلة معه وجهاً لوجه، ثم زارني ثانية في قصر الضيافة حيث أقيم لنجري مقابلة خاصة أيضاً، وتحدثنا طويلا عن الموضوعات الاعتيادية التي كثيراً ما تحدثنا عنها؛ مثل منظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية والتعاون الأفريقي العربي وعدم الانحياز. وزيادةً على هذا، أسهب في الحديث إليّ عن المشاكل المصرية الداخلية والرد على إسرائيل.
وفيما يخص الموضوع الأخير بدا لي متفائلا، وقد منحه السوفييت كلَّ الوسائل الضرورية لإعداد هذا الرد، وكان الأمر الذي يشغل بالَه أكثر هو الوقت الضروري للطيارين الذين سيكيلون لإسرائيل الصاع صاعين، وقد يتطلب ذلك فترةً طويلةً شيئاً ما. وكان هذه المرة مقتنعاً بأهمية الطيران وحسمه المعركةَ القادمة.
وسألتُه عما إذا كان لديه موعدٌ محدد لبدء المنازلة والأخذ بالثأر، فأجابني بأن الاستعدادات تسير على ما يرام وبمساعدة من السوفييت، لكنه لا يستطيع تحديد الوقت الذي تبدأ فيه العملية ولو بشكل تقديري، إلا أنه يسعى لأن تبدأ المعركة خلال مدة قصيرة ليتمكن من مفاجأة العدو الإسرائيلي بالهجوم وإسرائيل ما تزال تعتقد عدم قدرته على الرد. وتأثرتُ كثيراً لما أعلمه مِن جسامة المشكلات الصعبة والخطيرة التي سيكون على صديقي الحميم أن يواجهها ويحلها ما دام اهتمامه منصباً على تحقيق النصر على العدو.
بعد هذا اللقاء بثلاثة أسابيع فاجأني نبأ تلك الفاجعة الأليمة، نبأ وفاته، ولا تسل عما أصابني من هم وغم لا يداينهما إلا ما حصل لي عند تشييع جنازته، حيث كانت مظاهر الحزن وجو الحداد بمصر تمزق الأكباد ومظاهر التأثر بالفاجعة لا تحتمل. وكان ذلك في 30 سبتمبر 1970.
لقد خسرتْ مصرُ ومعها العالم العربي وأفريقيا والعالم الثالث بأسره خسارةً لا تعوض.

المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»