
يمرّ مجتمعنا العربي الموريتاني بمرحلة حرجة تتسم باتجاه مقلق: العيش بما يفوق إمكانياتنا الحقيقية. هذا الانحراف، الذي أصبح شبه مألوف، لا يقتصر على كونه مسألة فردية، بل يشكل تهديداً جماعياً قد ينتهي بكارثة اجتماعية حقيقية إذا لم يُتدارك الأمر.
وعلى عكس إخوتنا الزنوج الأفارقة الذين يحافظ الكثير منهم على قدر من الاعتدال، نجد أنفسنا منجرفين في دوامة من الإنفاق المفرط والإسراف الذي يضعف توازننا الاقتصادي ويهز قيمنا.
تتجلى ميادين هذا الإسراف في صور عديدة تمسّ جميع جوانب حياتنا اليومية: الشغف المفرط بالسيارات والهواتف الذكية، الهوس بالأثاث واللباس، كثرة المطاعم والسفر، المبالغة في تكاليف الأعراس والسكن والحفلات.
ويضاف إلى ذلك النفقات المرتبطة بالسياسة، والتعليم، والاستقبالات الودية والعائلية، وحفلات الازدياد والعزاء، فضلاً عن الاستهلاك المفرط للمنتجات الثانوية والتسوق الاستعراضي.
وعلى مستوى أعمق، تغذي بعض العادات والأعراف هذا المسار، مثل التنافس بين النساء في مظاهر الترف، أو رفض بعض المهن التي تُعتبر "دونية"، لصالح موارد مالية غير مشروعة.
هذه التصرفات، سواء بشكل منفرد أو مجتمعة، ترسم نمط حياة غير مستدام يهدد مستقبلنا الجماعي.
الممارسات غير الشرعية للحصول على المال في مجتمعنا
إن وتيرة الإسراف المحمومة التي تميز جزءاً كبيراً من مجتمعنا تدفع بنا نحو سلوكيات خطيرة.
فالمحافظة على مستوى معيشي مصطنع، تفرضه الموضة والضغط الاجتماعي والسعي وراء المظاهر، دفعت بالكثيرين إلى اللجوء إلى وسائل تمويل لا تحترم لا القانون ولا الأخلاق ولا قبل ذلك كله تعاليم ديننا الإسلامي.
هذه الهرولة قد أفرزت ممارسات محرمة أصبحت – وللأسف – شائعة، تهدد أسس تماسكنا الاجتماعي وتنهش قيمنا المشتركة.
هذه الممارسات، التي تمثل جروحاً مفتوحة في اقتصادنا وأخلاقنا، تتجلى في صور متعددة، منها:
(1) اختلاس الأموال العامة والخاصة، وهو آفة تنخر الدولة وتدمر الثقة الجماعية.
(2) الأدوية المزورة والسلع منتهية الصلاحية، التي تهدد صحة المواطنين بشكل مباشر.
(3) الإتجار بالمخدرات، وهو بلاء يدمر الشباب والمجتمع بأسره.
(4) تزوير الأوراق للأجانب والشهادات الدراسية، مما يشجع الغش ويُفقد الجدارة قيمتها.
(5) الشيكات بدون رصيد وظاهرة "الشيبيكو"، التي تزعزع الاقتصاد.
(6) الديون المصرفية غير المسددة والديون بين الأفراد بطرق احتيالية، التي تدمر الثقة في المعاملات المالية.
(7) الزيادة غير المبررة في الأسعار والمضاربات، التي تزيد من فقر الضعفاء.
(8) الغش في جودة وكميات السلع المستوردة (كالحديد والإسمنت والأكياس والعلب...)، وهو ما يخدع المستهلك ويهدد سلامته.
(9) الغش في أعمال البناء، مما ينتج عنه منشآت هشة وخطيرة.
(10) التزلف والتسول، وقد تحولا إلى وسائل مذلة للعيش.
(11) الدعارة والسرقة والوشاية، وهي ممارسات تقوض القيم الأسرية والثقة المتبادلة.
(12) الابتزاز والتشهير لانتزاع الأموال، وهي ممارسات مشينة تلطخ العلاقات الاجتماعية.
(13) الاحتيال سواء على المواطنين أو الأجانب، مما يشوه سمعة البلد.
(14) التغيب عن العمل في الإدارات والمؤسسات، وهو سرقة مقنعة للوقت والموارد العامة.
(15) استغلال النفوذ، الذي يعيق العدالة ويغلق الفرص أمام المواطنين النزيهين.
(16) تعدد الأعمال المشبوهة أو الهامشية، التي غالباً ما تكون على حافة عدم الشرعية لتغطية نفقات المعيشة المصطنعة.
(17) وأخيراً، الفساد، وهو أمّ كل الانحرافات، ينخر المؤسسات ويعرقل التنمية.
ممارسات أخرى لا ينبغي نسيانها
إلى جانب هذه السلوكيات الخطيرة، لا بد من ذكر:
(1) الربا والقروض الربوية، المحرمة في الإسلام لكنها ما زالت تُمارس بأشكال مقنّعة.
(2) التهريب، الذي يحرم الدولة من مواردها ويعرض التجارة المشروعة للخطر.
(3) التهرب الضريبي، الذي يضعف مالية الدولة ويعود بالنفع على أقلية فاسدة.
هذه الممارسات غير الشرعية ليست مجرد انحرافات فردية، بل تمثل تهديداً حقيقياً لمستقبلنا المشترك.
فهي تقوض الثقة بين المواطنين، وتضعف مؤسساتنا، وتنشر ثقافة اللاشرعية التي ستقود – عاجلاً أو آجلاً – إلى الفوضى.
إن العودة إلى الصدق والعمل الحلال والاعتدال ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي شرط أساسي لبقاء مجتمعنا واستمراره.
خطة عمل لمعالجة ظاهرة الإسراف والممارسات غير الشرعية
1. الدولة والسلطات العامة
-تطبيق صارم لقوانين مكافحة الفساد والرشوة والاختلاس.
-مراقبة الأسواق ومنع دخول السلع الفاسدة والمغشوشة.
-إصلاح منظومة التعليم للحد من الشهادات المزورة.
-إنشاء أجهزة مستقلة لمكافحة التهرب الضريبي والتهريب.
2. المجتمع المدني والإعلام
-تنظيم حملات توعية بخطورة الإسراف والكسب غير المشروع.
-فضح الممارسات المشبوهة عبر الإعلام الحر والمسؤول.
-تشجيع النماذج الإيجابية الناجحة بالطرق المشروعة.
3. الأفراد والأسر
-تربية الأبناء على القناعة والاعتدال.
-تعزيز قيمة العمل الشريف والابتعاد عن ازدراء بعض المهن.
-الالتزام بالتعاليم الإسلامية في المعاملات المالية.
-تقوية التضامن الاجتماعي للحد من الحاجة إلى المال الحرام.
4. الحلول العملية
-إطلاق برامج وطنية لترشيد الاستهلاك.
-دعم ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة كبديل مشروع.
-تطوير أدوات التمويل الإسلامي (القرض الحسن، المرابحة، المضاربة).
-ربط الترقيات والمكافآت بالكفاءة والنزاهة.
-توسيع رقمنة الخدمات (الدفع الإلكتروني، الحكومة الرقمية) لتقليص الرشوة والمحسوبية.
\
انواكشوط 2 10 2025
احمد خطري
رئيس العافية أمونكه