حينما يكون المفسدون فوق القانون

فإن التقارير الواردة بشأنهم ستبقي جعجعة بلا طحين !!

لا شك أن أهم مؤشر لتفشي الفساد داخل بلادنا و علي المستوي الرسمي،
هو حجم و خطورة التقارير الواردة من المفتشية العامة للدولة و محكمة الحسابات و المفتشيات المالية الداخلية للقطاعات الوزارية .
التي تتضمن كشف ثغرات و حصول خروقات في تسيير بعض القطاعات الوزارية و كباريات الشركات الخدمية و المؤسسات العمومية.
بالإضافة إلي الإفصاح و الإعلان عن حالات فساد موثقة وبالجملة و التفاصيل المملة .
لذا فإن نشر تقارير هيئات التفتيش و الرقابة بشأن الفساد ينبغي أن يكون مدعاة للمساءلة و المحاسبة ،
و أن يمهد لإقالات و إعتقالات في صفوف المفسدين و إحالتهم للعدالة و إسترجاع الأموال المنهوبة .
ما عدي ذلك فهو عود علي بدء و إستمرار لنهج الفساد .
فالفساد ملة واحدة ليس ثمة فساد محظور و آخر محبوب ،
و لاهناك فساد ممنوع منعا باتا و آخر بات ضرورة لتمرير مصالح معينة أو أغراض شخصية .
فالفساد لدينا أضحي ثقافة و سلوكا و ممارسة سائدة داخل المجتمع و هواية متأصلة لدي معظم نخبنا الوطنية،
أخذت شكل لوبيات قوية و متحكمة متنفذة و مسيطرة في كل الأوقات و المناسبات أخترقت مفاصل الدولة و مؤسساتها.
صحيح نحن مجتمع متناقض ننبذ الفساد و نتعايش معه بإنتظام حكومة و شعبا بحيث أن المفسد فينا المقال من عمله أو وظيفته نتيجة سوء تسيير أو تدبير أو فساد أو نهب أموال الشعب المطحون .
يلقي حماية من أصحاب النفوذ السياسي و المالي و شيوخ القبائل.
و يستقبل داخل أوساطه الإجتماعية بالزغاريد و ضرب الطبول و بحفاوة في جو من الإحتفالات الرهيبة علي مرأي و مسمع من السلطات و من الجميع و كأنه بطل قومي حظي باستراحة محارب نبيل .
في إنتظار تدوير قادم أو ترقية في مناصب حكومية عليا .
هذا هو السلوك المتبع و المعمول به بشكل عام و الذي أصبح جزءا من العادات و الممارسات اليومية و التقاليد الراسخة داخل البلاد .
في حين يجمع كل المحللين و المراقبين للشأن الوطني.
أن من بين الأسباب و العوامل المباشرة و النتائج الحتمية لتفشي و إنتشار الفساد علي نطاق واسع داخل الوطن ،
و علي نحو أعاق النهوض بالتنمية الإقتصادية و الإجتماعية و ساهم في تقويض مفهوم الدولة و عرقل جهود التنمية .
كما شل المنجز والمأمول من المشاريع الوطنية الخدمية و الإنمائية.
و كرس الفوارق الإجتماعية من خلال الغبن والتهميش ،
مما كاد أن يلقي بظلاله علي التعايش و السلم الأهلي.
ما يلي : -
. غياب إرادة صادقة لمحاربة الفساد.
. التراخي و التمايز في تطبيق القانون.
.غياب الوازع الديني و الحس الوطني.
. النفاق السياسي و تكريس الحكم الأحادي .
. جشع المال والرغبات .
. سهولة الإفلات من المساءلة و العقاب .
. تدوير المفسدين و إعادة توزير نفس العائلات دون غيرهم من أبناء الوطن .
. نفوذ القبيلة و الجهة ( بحيث القبيلة بيئة مناسبة و حاضنة و محمية للفساد ) .
. تمكين و إحتكار الفساد ضمن طائفة من المحظوظين من ذوي القرابة و المصاهرة و أصحاب النفوذ السياسي و المال و الأعمال و شيوخ القبائل.
. تغييب و تهميش أصحاب الكفاءات و الخبرة و النزاهة وخاصة من فئة الشباب.
. عدم قيام الجهاز الرقابي بالدور المنوط به بشكل إنسيابي و دوري و مفاجئ في إنتظار إذن تفتيش أو إصدار برامج عمل ، ( خاصة أن بعض المؤسسات الخدمية و القطاعات الحيوية تظل في مأمن من التفتيش و لفترات طويلة جدا تتجاوز أحيانا 4 سنين ) .
. تعطيل و تسييس دور الأسرة القضائية.
. تدني الأجور وارتفاع أسعار المواد الأساسية .
بالتأكيد حينما يكون الفساد هو الأصل المتجذر بعمق داخل الوطن و النزاهة و الإخلاص هما الإستثناء ،
فأعلم أن البلد في خطر .
و المجتمع سيغدو حتما فاسدا ليس إستنادا إلي التقارير الواردة محليا أو مؤشرات الفساد العالمية فقط
بل بنظر المواطن المطحون قبل شعوب العالم الآخر .
لا شك أن الإدارة الموريتانية التي تدار بالمزاج و بإرتجالية سلبية جد مؤثرة،
تعاني من إختلالات تراكمية عميقة لم يتم التغلب عليها بعد مثل سوء التسيير و التدبير و التجاهل و التقليل من شأن العنصر البشري الكفؤ.
مما كان له الأثر السلبي الكبير علي ضعف أداء الإدارة و تردي الأوضاع و تعطيل الخدمات،
و بالتالي انتشار و اتساع دائرة الفساد في كل المراحل و الإتجاهات،
لدرجة أن المواطن فقد الثقة في الإدارة.
بحيث أن ممارسات من قبيل المحسوبية و الزبونية و التحيز و المحاباة السياسية مافتئت تخلق تضاربا في المصالح و تكافؤ الفرص داخل المجتمع و تقوض بناء الديمقراطية و تقلص مجال دولة المواطنة و القانون و المؤسسات .
وضع لم يكن وليد اللحظة،
بقدر ماهو امتداد سيئ لواقع معاش أملته ظروف السياسة و الديمقراطية حينها و تبنته الأنظمة المتلاحقة علي حكم البلاد .
وفي سياق متصل تأتي تحذيرات و تعليمات رئيس الجمهورية أنذاك بخصوص المشاريع الخدمية و وضع المؤسسات العمومية ،
ضمن رؤية و إرادة جادة للقضاء علي الفساد من خلال إلزام الحكومة و
مقاولي المشاريع بالتقيد بشروط دفتر الإلتزامات
بالإضافة إلي إستحداث آليات متابعة مستدامة تتيح متابعة المشاريع الخدمية الأساسية في كل مرحلة من مراحل تنفيذها بما يضمن تقليل فرص التأخير في إنجاز المشاريع و سبل الإرتقاء بمستوي الخدمات و متابعة تنفيذ المشاريع الخدمية والإنمائية و البني التحتية الأساسية مع ضرورة التقييم المستمر للأداء.
خطوات و إجراءات تدخل في.إطار تبني
مقاربة وطنية في مجال الحوكمة و محاربة الفساد في ضوء إستراتيجية وطنية أرستها الحكومة ،
و جسدها علي أرض الواقع معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي من خلال الزيارات الميدانية الملاحظة و المتكررة و المتابعة الصارمة لكل مكونات البرنامج الإستعجالي لتنمية مدينة انواكشوط ،
و الوقوف علي مستوي تقدم الأشغال بالمشاريع الإنمائية الكبري قيد الإنجاز.
حيث شدد رئيس الجمهورية في أكثر من مرة علي أن الفساد داء عضال و علي ان موارد البلد المحددة لا يمكن ان تصرف في غير ما رصدت له وأن الدولة لن توفر الغطاء علي اي مفسد مهما كان .
إلا أن محاربتها للفساد تبتعد عن الطرق الاستعراضية و أن الفاعلية تنافي الضجيج في أحيان كثيرة و ان تسييس القضايا الفنية مضر بالدول والمجتمعات .
في حين تعتمد هذه المقاربة علي رؤية شاملة ترتكز علي محددات اساسية منها :
‐ خلق إرادة سياسية حقيقية
‐ تكريس مبدأ فصل السلطات وذلك بمنح السلطات القضائية و الرقابية كامل استقلاليتها في حماية المال العام وفق الضوابط القانونية المعمول بها .
‐ تفعيل الهيئات الرقابية التي تمتلك السلطة التنفيذية حق الوصاية عليها كهيئات التفتيش الداخلية ..الخ
وقد تجسدت هذه الاسترتيجية جليا في الإجراءات المتخذة اخيرا في شأن نقل الوصاية علي مفتشية الدولة الي رئاسة الجمهورية مباشرة .
كخطوة نحو استقلال و تعزيز دور الهيئات الرقابية و توسيع صلاحيات محكمة الحسابات .
إلا أنه و في خطوة غير مسبوقة أقرت الحكومة مؤخرا قانونا صادق عليه البرلمان يتعلق بإنشاء سلطة وطنية واسعة الصلاحيات مختصة بمكافحة الفساد .
أدي رئيسها اليمين الدستوري أمام فخامة رئيس الجمهورية قبل يومين من نشر محكمة الحسابات لتقريرها السنوي الأخير ،
أنقسم بشأنها الشارع الموريتاني بين مرحب و مثمن بالخطوة و مشكك بجدوائيتها خوفا من أن تلقي مصير مثيلاتها التي سبقتها و تتقاطع معها في نفس المهام و الأدوار بعدما عجزت في الحد من انتشار و محاصرة الفساد .
كالمفتشية العامة للدولة و محكمة الحسابات و المفتشية العامة للمالية .
بالإضافة إلي توسيع نطاق إلزامية التصريح بالممتلكات بهدف تعزيز الشفافية و ترسيخ النزاهة و منع تضارب المصالح ،
و هو ما أثار جدلا واسعا داخل البرلمان تم علي إثره تعديل نص القانون بشكل أستثني النواب من تضارب المصالح و التصريح بالممتلكات و أجاز تنصل المشرع الموريتاني من الإلتزام بمضامنه في خطوة مريبة لا تعزز علي الإطلاق مبدأ الشفافية.
و في الأخير يبقي المؤشر الوحيد القوي لمدركات الفساد هو حجم التقارير الواردة من هيئات التفتيش و الرقابة دون مساءلة و أو محاسبة أو إعتقال لأي كان .
و المقاربة القائمة علي ( دولة غنية بتنوع مصادر ثرواتها الطبيعية وشعب فقير....) .
إننا في محيط إقليمي مغاربي و إفريقي مضطرب سياسيا و أمنيا نؤثر كما نتأثر .

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .
.