الإمام_محمود_ديكو... صوت الحكمة الذي تحتاجه مالي في زمن العاصفة

#مقال_بقلم: ب. أمين

مع اقتراب نهاية حكم الطغمة الانقلابية وفي خضمّ العواصف السياسية والعسكرية التي تضرب مالي منذ سنوات، تبدو البلاد أكثر من أي وقت مضى بحاجةٍ إلى قيادةٍ رشيدة تمتلك الشرعية الأخلاقية، والقدرة على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف. وفي هذا السياق، يبرز اسم الإمام محمود ديكو كأحد أبرز الشخصيات التي يمكن أن تمثل نقطة توازن حقيقية، وركيزة أساسية في أي مرحلة انتقالية جادة نحو الاستقرار والديمقراطية.

شخصية جمعت بين الدين والسياسة والاعتدال

الإمام محمود ديكو ليس مجرد رجل دين أو خطيب جامع باماكو الكبير، بل هو رمز وطني له تأثير اجتماعي واسع. فقد لعب لسنوات طويلة دور الوسيط بين السلطة والشعب، ووقف في وجه قرارات تعسفية حين صمت كثيرون، وساند مطالب الشعب في الإصلاح دون الانجرار إلى العنف أو التطرف.
أسلوبه في الخطاب يجمع بين العقلانية والعمق الديني، ما جعل الملايين يرونه صوت الحكمة الذي يمكن أن يقود البلاد في مرحلةٍ دقيقة، تجمع بين إعادة بناء الدولة وإصلاح النفوس.
أهلية قيادية وتجربة ميدانية

ديكو ليس غريبًا عن السياسة أو الإدارة العامة. فقد شارك في هيئة العلماء المسلمين في مالي وكان من مؤسسي المجلس الإسلامي الأعلى الذي ترأسه لسنوات، حيث قاد وساطات حساسة بين الحكومات المتعاقبة والجماعات المسلحة في الشمال.
وقد أثبت في أكثر من مناسبة أنه قادر على فهم توازنات القوى المحلية والدولية، وأنه رجل حوار لا يُقصي أحدًا، بل يسعى إلى إدماج الجميع في مشروع وطني جامع.
وفي بلدٍ مثقلٍ بالصراعات العرقية والمناطقية، تعتبر شخصيته التوافقية عنصرًا نادرًا لا يمكن تجاهله.

مقبولية وشعبية واسعة

ربما لا توجد شخصية اليوم في مالي تحظى بمستوى القبول الشعبي الذي يتمتع به الإمام ديكو.
فهو ابن الشعب، يقف في المساجد والأسواق، يتحدث بلغة البسطاء، ويُنظر إليه على أنه رمز للصدق والنزاهة في زمنٍ تآكلت فيه ثقة الماليين في النخب السياسية والعسكرية.
المظاهرات التي دعا إليها عام 2020 ضد حكومة كيتا كانت دليلاً قاطعًا على قوته الشعبية، إذ نزلت الجماهير إلى الشوارع استجابةً لندائه السلمي، دون أن تتحول دعوته إلى فوضى أو فتنة، بل إلى مطالبة راقية بالتغيير والإصلاح.

رجل المرحلة الانتقالية

مرحلة الانتقال في مالي تحتاج إلى شخصية لا تخيف الداخل ولا الخارج، تجمع بين الشرعية الأخلاقية والمقبولية الدولية.
ومحمود ديكو يملك رصيدًا من الاعتدال والرصانة يجعله خيارًا مطمئنًا للجميع — للشعب الذي يبحث عن الأمل، وللمجتمع الدولي الذي يخشى الانزلاق نحو الفوضى، وللقوات المسلحة التي تحتاج إلى مظلة مدنية محترمة تعيد التوازن للدولة.
بإمكانه أن يشكل جسرًا بين المكوّن الديني والسياسي، بين العسكري والمدني، وبين الجنوب والشمال، وهو ما لم ينجح فيه كثير من السياسيين خلال العقد الأخير.

الخلاصة:

قد لا يحمل الإمام ديكو رتبة عسكرية أو لقبًا وزاريًا، لكنه يحمل ما هو أثمن: ثقة الناس.
وفي بلدٍ مثل مالي، حيث فقد المواطن ثقته في المؤسسات، يصبح القائد الذي يملك قلوب الناس أهمّ من القائد الذي يملك كرسي الحكم.
إنّ الإمام محمود ديكو ليس فقط مرشحًا لمرحلة انتقالية، بل هو فرصة تاريخية لإنقاذ مالي من دوامة الانقسامات، وإعادتها إلى طريق الاستقرار والعدالة، على قاعدةٍ من الإيمان بالحوار والوحدة والاعتدال.

> في زمنٍ تتنازع فيه البنادق والكراسي، قد يكون صوت الإمام ديكو هو البوصلة التي تُعيد لمالي وجهها الحقيقي — بلد الإيمان، والعقل، والكرامة.