موالاة إصلاح لا موالاة مصالح (2) :

محمد أفو

كنتُ قد تناولتُ في مقالٍ سابقٍ هذا الموضوع تحت العنوان نفسه، محاولةً لتحديد الفارق الجوهري بين من يوالي الإصلاح ومن يوالي المصالح. واليوم، بعد خطاب فخامة رئيس الجمهورية الأخير، تزداد الحاجة إلى إعادة التأكيد على هذا الفارق وتوضيح مضمونه العملي في السياق الراهن.

فـ موالاة الإصلاح هي تلك التي تؤمن ببرنامج النظام السياسي القائم كخيار وطني شامل، وتعتبر نفسها جزءًا من أدوات تنفيذه، لا من المستفيدين العابرين من ظلاله. إنها موالاة منشغلة بالفعل، لا بالترتيب؛ بالإنجاز، لا بالواجهة؛ ترى في مواقعها تكليفًا لا تشريفًا، وفي انتمائها للنظام شرف مسؤولية لا فرصة مصلحة.
هذه الموالاة لا تمارس دورها السياسي أو الإداري لمراكمة مكاسب أو لبناء سيرة ذاتية شخصية، وإنما تمارس ذلك لأنها مكلفة بمهمة إصلاحية واضحة: مساندة الرئيس في تجسيد مشروعه، والعمل على تحقيق الأهداف الوطنية التي تعهّد بها أمام الشعب.

ولذلك فإن حديث رئيس الجمهورية الأخير لا يمكن فهمه بوصفه دفاعًا عن نظامٍ أو موقعٍ، بل هو حديث وطني صادق لرجل يتحمل مسؤوليته في إصلاح بنية الخطاب السياسي الوطني وإعادة ترتيب الولاءات وفق منطق الواجب، لا منطق المصلحة.

حين قال الرئيس بوضوح إن الوقت ليس وقت انتخاباتٍ مبكرة ولا ترتيباتٍ شخصية، كان يضع الجميع أمام معيار جديد للولاء:
من يعمل في إطار هذا النظام، عليه ألا يغامر بأحلامٍ جانبية تضرّه وتضرّ المشروع، بل أن يوجه جهده نحو مأمورية الرئيس، وأن يخلص لها بوصفها أفقه السياسي والوطني.
وأن نجاح أي مسؤول أو فاعل سياسي اليوم لا يُقاس بما ينسج من تحالفات أو بما يهيئه من بدائل، بل بما يقدمه في سبيل إنجاح برنامج الرئيس الذي اختاره الشعب.

هذا هو جوهر الإصلاح، وهذه هي الموالاة التي يريدها الوطن:
موالاة تنتمي إلى المشروع الوطني لا إلى الطموح الشخصي ، إلى الواجب لا إلى الغنيمة، إلى الدولة لا إلى الافراد .

إنّ موالاة الإصلاح ليست فقط انحيازًا لبرنامج سياسي، بل انتماءٌ عميقٌ للدولة والدستور وإصرار على نجاح النظام السياسي القائم .

تلك هي روح الخطاب الرئاسي لمن أراد أن يفهمه:
دعوة صريحة إلى إعادة تعريف الولاء، وتوجيهه نحو البناء لا الترقب، ونحو الإنجاز لا التموقع.
ففي لحظات التحول الكبرى، لا يكون الاختبار في من يسبق، بل في من يخلص .