
لم يكن يوم الثاني عشردجمبر يوما عاديا ولم تكن الحقبة السياسية لما قبله حقبة عادية ..
ظل نظام ھياكل تھذيب الجماھير جاثيا على المواطن الموريتاني المھان !
ليس فقط لانه سرق حلم توحيد الوطن الموريتاني المنبثق من رؤية وطنية للجمھورية الثانية التي تمليھا حقائق الجغرافيا والتاريخ
والتي ترسخ كون الفضاء البيضاني شعب واحد خاصة في امتداده الصحراوي ولذلك يمكن اعتبار نظام ھياكل تھذيب الجماھير نسف للمنجزات ..
وأھمھا توحيد ولو جزئي لشعب البيظان والنھضة العلمية المبكرة رغم تغول البداوة وتأثير الفتاوي القديمة التي تحارب التمدرس
كل ذلك النسف تم مع تجدد الممارسات القمعية لسلفه حزب الشعب بل وبوتيرة أشنع ...
لنقل إذا إن الثاني عشر دجمبر 1984كان يوما استثنائيا
لقد اطلق سراح ما يقارب الف سجين من مختلف القوى السياسية وشكلت حكومة مدنية لا تعتمد نھج اللعان الاجتناعي وعاش الموريتانيون حقبة تجدد الجمھورية الثانية التي بدات 1975 بمراجعة الاتفاقيات مع المستعمر وتوحيد الوطن الموريتاني اي البيضاني مع الحفاظ على العلاقات مع الدول المنحدرة من الكيانات الزنجية القديمة المجاورة للبيظان (والو ، فوتا ، باقن ) و التي ظلت تمثل حليفا استراتيجيا لشعب البيظان امراء وقادة وسكانا ...
لقد كرس قرار لاھاي مفھوم الجمھورية الثانية
ومع ان نظام ھياكل تھذيب الجماھير نسف ھذ الإنجاز إلا ان مسار الجمھورية الثانية في جانبه المتعلق بالوحدة الوطنية فإن نظام معاوية سار بخطى حثيثة إلى توطيد مفاھيم الجمھورية الثانية حيث صمم اول دستور يكرس المضامين الثقافية والدينية للشعب الموريتاني حيث أعلن العربية لغة رسمية واستمد القوانين من الإسلام …
لكن انتكاسات عديدة حلت بھذا النظام ومنھا محاولة من كانوا محل ثقته الإطاحة به في مشروع دموي يؤكده تألب عرق واحد على كل مكونات الشعب الموريتاني في محاولة للتفرد بالسلطة بل لإبادة غيره من الأعراق فكان انقلاب1987مقتصرا على عرق المنمنحدرين من كيان فوتا الذي انھت فرنسا دولتھم1860 بعد قتلھا الشيخ الحاج عمر تال الفوتي
وطبعا ليس جديدا أن يتألب ھؤلاء على من منحھم الثقة فد مثل الضباط المنحدرون من فوتا نسبة اربعين بالمائة من الذين قاموا بالانقلاب على المخطار ولد داداھ
ثم أعادوا الكرة منفردين 1987
ولم يكن فشل ھذھ المحاولة ليمر دون نتائج فقد قام نفس العرق الذي تسبب في احداث1960 وشكل ما يعرف بحركة افلام بردة فعل على فشل الانقلاب وقتل ثلاثة من قادته فاتخذ من السنغال منطلقا لمسار عنف ضد البيظان بموجبه قتل مايقارب الف بيضاني بالإضافة إلى حملات التشريد والنھب وكانت تلك المأساة اعظم ھزة يواجھھا نظام 12/12 في ظل غياب إعلام قادر على مواجھة الحملة ضد الجمھورية الثانية
وھي حملة ليست جديدة تمثلت من قبل في الضغوط التي مورست على الجمھورية الأولى حين رفض الرئيس المؤسس المخطار ول داداه الانضمام إلى الاتحاد المالي المنبثق عن الكيانات الزنجية القديمة المجاورة لموريتانيا (فوتا ، والو ، باقن ) والذي عرف آنذاك بالاتحادي المالي الذي انضوت تحته الدولتان المؤسستان حديثا من قبل فرنسا (السنغال ،مالي )
لا تختلف الأزمات التي واجھت نظام 12/12 في مواصلتھ لمسار الجمھورية الثانية عن تلك التي واجھت المخطار بل والتي أودت بالحياة السياسية لنظامه 1978 .
فلم يكن انقلاب 1987 وارتداداته 1989 و1991 إلا امتدادا لأزمة 1966
التي كان منشأھا ان الحكومة الموريتانية فرضت ساعتين من اللغة العربية كانت اختياريتين ! علما بأن اتفاق قادة المھادنة مع فرنسا يقضي بتعليم العربية والتعاليم الإسلامية فلا يعقل أن تكون الجمھورية الأولى لاتدرس فيھا العربية ولا التعاليم الإسلامية.
وبما أن تلك الأزمات خلفت ما يعرف بالإرث الإنساني الذي تواردت تسوياته مع الرىيس معاوية نفسه ومع الرئيس اعل والرئيس سيدي والرئيس عزيز فلا مناص من تسوية ما تبقى من إرث إنساني خاصة الانتھاكات العديدة في ظل نظام ھياكل تھذيب الجماھير الذي في عھدھ ولدت الحركات الانفصالية مثل افلام والذي انھاه 12 /12 بأن أطلق سراح ما يقارب ألف سجين
وإذاكان لابد من الاعتراف بان السلطة الموريتانية في عھد معاوية والسلطة السنغابية في حقبة عبدو جوف لم تتمكنا من التحكم في ردات فعل المفجوعين في ذويھم إثر ماساة 1989 فإنھ لا مناص من إطلاع الرأي العام على تفاصيل تلك التسويات وھناك سؤالان :
-الأول ماھي المبالغ والأراضي التي قدمت أللمتضررين من أجل جبر الضرر واين ذھبت أللمتضررين ام غيرھم فكانت مجرد عنوان !
- الثاني ھل سيظل الإرث الإنساني مقتصرا على ارتدادات 1966 دون الأوبة إلى ما ارتكب في ظل نظام تھذيب الجماھير ؟
وختاما فإن افتقار المنھج الموريتاني للتحقيب التاريخي سيظل يمنح خصوم الجمھورية الثانية فرصاكبيرة للنيل من المكتسبات وحتى نتلافى ذلك على ھذا المنھج ان يشمل ما حل بالكيانات الزنجية التي كانت تجاور موريتانيا أثناء حقبة الاستعمار.
وھي الكيانات التي كانت كلھا حليفة للبيظان حتى انھا تشكل ظھيرا لبعضھم ضد البعض الآخر مثل ما كانت تقوم بھ إمارة باقن من تحالف مع اولاد امبارك ضد اطراف بيضانية وما قامت بھ فوتا من دعم لمشظوف وأولاد الناصر ضد اولاد امبارك ثم التحالف القوي بين إمارة ترارزة ومملكة والوا بحسب ما تنقله المصادر الفرنسية .
ومراعاة لإرث الدولة الموريتانية من ھذھ الازمات وارتداداتھا لم يعد مستساغا خلو المنھج الموريتاني من ھذا التاريخ خاصة منھ ما يتعلق بالادوار التاريخية التي قام بھا شعب البيظان قادة وسكانا قبل تاسيس الدولة من حماية للكيانات الزنجية التي كانت مجاورة لموريتانيا .
النجاح بنت محمذفال
