مشاريع ثورة الفاتح من سبتمبر وإنجازاتها

يُعدُّ النَّهر الصناعي العظيم لجر المياه الجوفية من مكامنها في الصحراء الليبية إلى المنطقة الساحلية في الشمال، من أعظم الإنجازات، بدأ العمل به سنة 1984، وكلف مبالغ ضخمة وأعداداً هائلة من الأنابيب العملاقة، وكان له أثر كبير في تطوير الزراعة وتزويد السكان بمياه الشرب.

كما تمَّ تنفيذ عدد من المشروعات الزراعية الكبيرة في منطقتي الجبل الأخضر وواحات فزان في نطاق ثورة زراعية تسعى إلى الاكتفاء الذاتي بالمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.

كما شَهد القطاع الصناعي تطوراً كبيراً وأُقيم كثير من المشروعات والمنشآت الصناعية الغذائية والتحويلية والكيميائية والبترولية والمعدنية والكهربائية، وعلى رأسها إقامة مجمع الحديد والصلب في مدينة سرت.

واستهدفت برامج التخطيط الاقتصادي في ليبيا في السنوات الأخيرة بالدرجة الأولى الاستفادة من إيرادات النفط لرفع معدل النمو في القطاعات غير النفطية،ورفع مستوى معيشة الشعب. وتؤمن ليبيا بأن غايتها هذه لن تتحقق إلا في إعادة توزيع الثروة على نطاق واسع والقضاء على الملكية الخاصة الزائدة وإقامة جهاز يتسم بالشمولية للرقابة على الأسعار.

واستمرت في السنوات الأخيرة المساعي الحثيثة لتوسيع مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.وحدد القانون رقم 9للسنة1992الأسس لإقامة شركات قابضة ومشتركة وأتاح أيضاً تخصيص مؤسسات القطاع العام.

وأفسح المجال أمام القطاع الخاص للدخول في أنشطة التجارة بالجملة بعدما كانت شركات القطاع الخاص تتعامل فقط في النشاط التجاري بالمفرد. كما صدر قانون للصيرفة والأموال والائتمان الذي عزز الإجراءات الاقتصادية السابقة.ومهد القانون لإقامة مصارف تجارية مملوكة للقطاع الخاص بصورة شركات مشتركة وأتاح أيضاً فتح فروع محلية للمصارف الأجنبية.

النفـــــــــــــــــــــــــــــــــــط

النفط والغاز، التي كانا عماد الاقتصاد منذ الاستقلال في العام 1951، تتركز بالدرجة الأولى في حوض سرت، وكذلك في الجنوب الغربي قرب الحدود مع الجزائر، حيث اكتشفت كميات قليلة في أماكن متفرقة. وتم اكتشاف مصادر نفطية أخرى في عرض البحر إلى الغرب من طرابلس وفي منطقة الحمادة الحمراء الوسطى.

لاح تطوير الصناعة النفطية، ليهيئ ظروفاً مناسبة لإعادة النظر في الأنشطة الاقتصادية، وأنماط الاستيطان التي كانت تتركَّز في مدينتي طرابلس وبنغازي، أو حولهما،على الرغم من وجود عوامل مضادة قوية، مثل زيادة إقبال المواطنين على الاستيطان في المدن، نتيجة الزيادة في عدد الوظائف الحكومية، والمزايا المناخية والطبيعية التي تتمتع بها المناطق الساحلية.

ولم يبدأ الإنتاج النفطي في ليبيا إلا بعد أن نالت البلاد استقلالها.وسرعان ما أصبحت ليبيا، ولاسيما بعد أزمة قناة السويس العام 1956،محط أنظار شركات النفط الغربية التي كانت تواقة إلى اكتشاف خامات نفطية غربي القناة.وبحلول العام 1960كانت هناك 20 شركة نفطية تقوم بأعمال التنقيب عن النفط في 95منطقة للامتيازات النفطية،غطت 65المائة من الأراضي السطحية.وأصبحت ليبيا دولة مصدرة للنفط العام 1961وانضمت إلى الأوبك في السنة التالية.وارتفعت صادراتها النفطية من14.400برميل يومياً العام 1961إلى3.312.900برميل يومياً بنهاية العقد.

ورافقت مجيء الحكومة الثورية تغيرات جذرية في بنية وسياسة القطاع النفطي.إذ نجحت ليبيا في وقف نمط الأسعار المعلنة الثابتة التي التزمت بها هي وبقية دول الأوبك طوال الستينات وبدأت تطالب بحصة لا تقل عن 51بالمائة من جميع الامتيازات والإنتاج.ومنذ ذلك ارتفعت حصة شركة النفط الوطنية الليبية إلى 80بالمائة من الإنتاج النفطي الليبي وذلك على أثر انسحاب "شركات النفط الرئيسية".

وبعد تأسيس شركة الاستثمارات النفطية الدولية وليبيا تنتهج استرتيجية للمشاريع الأمامية في ميدان الصناعة النفطية تركز على الأسواق الأوروبية.وينعكس البناء الناجح خلال السنوات الأخيرة لشبكة تكرير وتوزيع ليبية في أوروبا في حصة النفط الخام الليبي البالغة 15بالمائة من النفط الذي كان يوزع عبر هذه الشبكة الأوربية لعام 1992.ومنذ العام 1970وليبيا تفضل سياسة سعرية نفطية تقوم على الإيراد العالي لكل وحدة وبرمجة الإنتاج بما يكفل إطالة عمر احتياطاتها النفطية التي تقدر بحوالي 45بليون برميل ويعزز قوتها الإرادية.

إنتاج الغـــــــــــاز

وتنتج ليبيا الغاز وتصدره منذ مطلع السبعينات عندما كانت بين قلة من دول الأوبك التي كانت لها مرافق لتسييل الغاز.وتقدر احتياطاتها الهائلة من الغاز بنحو 43ترليون قدم مكعب وقد عملت على إنجاز عدد من المعامل الصناعية الهدف منها توسيع نطاق الاستفادة من هذا المورد القيم.يحول جزء أكبر من مساهمة النفط والغاز في الاقتصاد إلى القطاع الصناعي وإلى مصافي البلاد ومصانعها لإنتاج البتر وكيماويات.

الصناعات الثقيلة

كانت ليبيا تستثمر أموالا طائلة في قطاع الصناعات الثقيلة وتنعكس ثمار هذه الاستثمارات في مصانع تعمل وأخرى كانت قيد الإنشاء قبل الحرب التي شنها الناتو 2011 في مواقع متباعدة نسبياً على طول الساحل الليبي.وإلى جانب توسيع طاقة تكرير النفط في مجمع رأس لانوف تنتج ليبيا المواد الكيماوية التي أساسها الميثان

_كالميثانول واليوريا والأمونيا_في مجمع مرسى البرقية وبدأت بإنتاج الاثلين ومشتقاته من خط معالجة النفتا في مصفاة رأس لانوف. وتم إنشاء مجمع لصناعة الحديد والصلب في مصراتة يعتمد على الطاقة المكثفة في حين بدأت عمليات التشغيل التجريبي لمجمع كيماوي يتألف من أربع وحدات في أبو خماش جنوبي طرابلس قرب الحدود مع تونس.وعلى الرغم من أن غايات التصدير الأساسية إقامة أو التخطيط لإقامة هذه الصناعات في المنطقة الساحلية تسهيلاً لعمليات التصدير لمنتجاتها فقد تمت أقامة مصانع إسمنت في مواقع جنوبية في منطقة الخليج.

بصرف النظر عن التطورات العصيبة كان الاقتصاد الليبي يعمل بشكل طبيعي. فصادرات النفط والغاز،من حيث حجمها،مستقرة تقريباً،في حين تمت الموافقة على تنفيذ مشاريع جديدة في قطاعي الصناعة والبنية التحتية أو هي قيد التنفيذ حالياً وواصلت ليبيا إستراتيجية الاستثمار المباشر في الخارج خاصة في المشاريع الأمامية في قطاع الصناعة النفطية.

التخطيط والزراعة

في إطار التخطيط الإقليمي تم تقسيم ليبيا إلى أربع مناطق - طرابلس وبنغازي وسبها والخليج - على أنه يوجد اتجاه واضح نحو تركيز الاهتمام بالدرجة الأولى على منطقتي سبها والخليج اللتين تقعان على خط يقسم منطقة فزان ويمتد جنوباً من مصراتة.

وعزز اكتشاف احتياطات للمياه الجوفية في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي،أثناء عمليات التنقيب عن النفط،تصميم ليبيا على توطين المناطق النائية الداخلية من البلاد، حيث أن المياه الجوفية هذه كافية لإقامة محطات زراعية تجريبية، إضافة إلى وجود رواسب خام الحديد في المنطقة الشرقية وعودة الحركة إلى الطرق التجارية المؤدية إلى البلدان الواقعة إلى الجنوب من ليبيا.

التعليــــــــــــــــــــــــــــــــم

أمَّا في قطاع التعليم، فطُبق التعليم المجاني في جميع مراحل التعليم، والإلزامي منه في المرحلة الابتدائية، وأُنشئت مئات المدارس في الأرياف والمناطق النائية، وانخفضت نسبة الأمية في ليبية. كما أُنشئت الجامعات والمعاهد والمدارس الصناعية والفنية في سائر أنحاء الجماهيرية.

الصحـــــــــــــــــــــــــــــــــــة

شَهد قطاع الصحة تطوراً كبيراً، فأُقيمت المشافي والمستوصفات والعيادات الطبية العامة في كل مكان، لتقدم الخدمات الصحية المجانية للجميع. كما نُفِّذَتْ الكثير من المشاريع في قطاع السكن والنقل والاتصالات والطرقات والمطارات والمرافئ.

انجازات أخرى

نجحت ثورة الفاتح في حل أهم المعضلات التي كانت تقف عائقا أمام برامج التنمية، بل كانت تهدد الحياة في ليبيا بصورة مباشرة، وهي قضية نقص المياه الصالحة للشرب، والاستخدام الإنساني، حيث كان الاعتماد على حفر الآبار، كمصدر للماء مع ما يحفظ هذه الوسيلة من أخطار صحية وبيئية، حتى أن الإحصاءات أشارت في فزع وهلع إلى إن انتشار الأمراض نتيجة استخدام مياه الآبار، وكان الحل يكمن في تنفيذ المشروع الإغاثي الحضاري المتمثل في مشروع النهر الصناعي العظيم، الذي حقق مراحله بنجاح كبير وفتح أبواب الخير إلى الجماهير الليبية، بذلك حلت مشكلة المياه العذبة.

تمكَّنت ثورة الفاتح من تحقيق الكثير من الإنجازات والتحولات الأخرى في شتى المجالات.

البديل