خطر الاعلام المتطرف على قيم الاسلام

ليس من بيننا من لا يدرك خطورة الحرب الإعلامية الراهنة التي أصبحت تشكل مشغلا للكثيرين، وهي الحرب التي استغلت فيها بشكل لافت مفرزات التقانة الحديثة وما صاحبها من تدفق للمعلومات، وسيطرة ممنهجة على العقول، ولأن إعلام اليوم يقوم على صناعة التباين باعتماد المفاهيم السلبية، والتركيز على الإثارة كأسلوب للوصول إلى الأهداف المرسومة سلفا بالنسبة لصانعيه، فهو بذلك يتخلى عن مسؤوليته الأولى وهي الإخبار وما يحيط به من قدسية وما ينبغي أن يحتكم إليه من قواعد مهنية وأخلاقية، فغلبة الأسلوب في تناول أي مادة إعلامية هو ما يمكن من تحديد كمية وكيفية تدفق المعلومة وآلية السيطرة الفكرية من خلالها.
وقديما أدرك العرب أهمية الإعلام وتأثيره وكنهه ودلالاته في عملية التواصل بكل أركانها، وكانت أدواتهم في ذلك تعتمد على حركيتهم التجارية وتبادلهم القبلي وتنوعهم العقدي، وقد ضمنوا بذلك انتقال الأفكار والمعلومات وابتكار مواسم ولقاءات للتواصل غلب عليها التنافس في الجانب الثقافي والأدبي، لكنها كانت تدرك مبتغاها التواصلي من خلال خلق مناخ للحوار والتبادل والتلاقي بدل الاحتكام إلى لغة السيف والخيل السائدة آنذاك.

ad

وقد اعتمدت رسالة الإسلام بدورها وما حملته من تصور كامل للحياة الدينية على وسائط مركزية هامة، يأتي في صدارتها الاحتكام إلى لغة الفكر والعقل من خلال منهاج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما شكلاه من مرتكز ومرجعية فكرية أساسية لرسالة الإسلام، التي قامت في بدايتها على تكريس الحوار بالأسلوب الحميمي داخل مجتمع تجذرت فيه الغلظة وعرف الكثير من التباهي، لكن الاختيار الموفق للأسلوب في التبليغ ورفض الجدل وتوابعه هو ما مكن من اختراق مجتمع الجهالة بالتي هي أحسن إلاَّ من أبى.
لقد رسم منهج الرسالة هذا أحسن السبل وأيسرها شكلا، ومضمونا، وصياغة لتحرير الأبعاد والمحاور المركزية لرسالة الإسلام الصالحة لكل زمان ومكان، وأي دارس لهذه المرحلة سيعرف أنها وضعت أسسا صلبة لمفهوم الإعلام بمختلف وسائطه وأهمية توظيفه، لصالح نشر الإسلام وقيمه السمحة وأخلاقه الحميدة، وفق منهج دعوي سليم يستند للقدوة الحسنة ويساهم في صيرورة ونقاء صورة الإسلام والنأي به عن الشبهات ومصيدة الفتن النائمة.
لكن إعلام الإثارة والفتنة الذي ظهر مع حركات متطرفة وفي مقدمتها داعش استغل قوة انتشار الوسائط التكنلوجية المعاصرة بكل تصانيفها مدعوما بكم هائل من الفتاوى المجهولة المصدر والمبتغى أصبح يشكل خطورة كبيرة على منهج الملة البيضاء بفعل بروز إعلام ديني متطرف أخذ لبوس القداسة الذي مكنه بعد حين من تأثير قوي نجح في غسيل الأدمغة وتهيئة الأرضية للاستقطاب المتنامي لشباب الأمة، والزج بهم في مستنقع أفكار الظلام والجهل التي لا تمت للإسلام بصلة.
ولا شك أن مخاطر راهنة ومستقبلية كبيرة تهددنا جميعا بفعل تسهيل مفرزات التقانة واستغلال الملتيمديا لعملية اختراق واستقطاب شبابنا في المجتمعات ذات البيئة المعقدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو ما يستدعي من النخب والإنتليجينسيا العربية والإسلامية بمختلف اهتماماتها الفكرية أن  تقف في وجه الاختراق الممنهج والخطير للإعلام بمختلف وسائطه، وفي مقدمة أولئك العلماء والكتاب والمفكرون وكل من له صلة بصناعة الرأي العام والتأثير في اتجاهاته، واستغلال كل أنواع أدوات الإعلام والاتصال في تقديم المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل ممرا آمنا لنشر الصور المشوهة للإسلام وخلط مفاهيمه وتعاليمه السمحة المهددة اليوم من إعلام داعش الذي يحاول بكل أساليب التأثير أن يخلق إعلاما بديلا يعتمد الترهيب والقتل والحرق سبيلا لتحقيق أهدافه الخطيرة التي لا شك أنها أهداف تسعى إلى تشويه صورة الإسلام.