الفلسطينيون باعوا أرضهم

بقدر ما هي القضية الفلسطينية حية في نفوس الكثيرين ممن يعشقون الحرية وتشكل جزءا من كيانهم، فنحن تربينا على أن أرضنا محتلة من العصابات الصهيونية التي جاءت مع الاحتلال البريطاني لفلسطين وتمددت كالسرطان في جسد هذا الوطن عبر عدة حملات للهجرة خصوصا من الدول الأوروبية، وهم ينتهكون مقدساتنا الإسلامية والمسيحية بسبب مزاعم دينية وهمية لا أساس لها، وأن الشعب الفلسطيني تعرض إلى مؤامرة من قبل دول كثيرة من أجل أن يتحول وطنهم إلى وطن بديل لبعض “اليهود”، ولا أقول جميعهم؛ لأن هناك الكثير من اليهود يرفضون ما يحدث ويجري على أرض الواقع و يعتبرون "كيانهم " ملعون ولن يستمر طويلا.

إلا أنني أصدم كثيرا عندما أسمع مقولة "باعوا أرضهم" هنا وهناك، ومن شخصيات تسمى نفسها مثقفة وصاحبة رأي وذات صوت مسموع تظهر علينا كل يوم عبر وسائل الإعلام تكرر هذه المقولة بكل وقاحة رغم نهر الدم الذي يجري في فلسطين.

نعم نجح هؤلاء المنبطحين ومن لف لفهم من تسويق هذه الفكرة القذرة عند أصحاب العقول الفارغة، وأخفوا الحقيقة التي عمرها سبعة عقود ونصف من التضحيات والمعاناة والتي يشهد بها العدو قبل الصديق.

كيف من باع أرضه يقدم دروس في المقاومة والرفض والمواجهة، ويتحمل شتى أنواع الحرمان، والكل يعلم أن ملف التعويضات التي أقرتها اتفاقيات السلام الهزيلة ينص على أن يقدم "الغالي والنفيس" كتعويضات، وباعتراف أعداءنا أنفسهم يقولون مرارا وتكرارا أنه لم يقدم أحد طلبا للتعويض لا من داخل فلسطين ولا من خارجها.

إن كان الفلسطينيون باعوا أرضهم، فكيف تقوم بعض الدول والتي هي عربية دون أن أذكر أسماءهم فهم معروفين بإرسال أناس يدعون أنهم فلسطيين ويشترون العقارات بحجة أنهم مغتربين يبحثون عن سكن في وطنهم، وبعد أن يتم البيع يجدون أن العقار تم تسليمه إلى أعدائهم، وهذه الحيلة الحقيرة نجحت لفترة قصيرة للغاية وعلى عدد محدود من الأفراد، لكن الآن انكشفت وباتت لا تنطلي على أحد.

من باع أرضه يكون لديه أموال كثيرة، والكل يعلم بأن الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى الدول المجاورة لوطنهم خرجوا بالثياب التي عليهم، والسواد الأعظم منهم يعيشون حتى هذه اللحظة في مناطق محددة تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة خصوصا في سوريا ولبنان، وهم ينتظرون العودة إلى مسقط رأسهم اليوم قبل الغد.

من يريد أن يبيع شبر من وطنه ما كان ليرفض "اتفاقية أوسلو " التي وقعها "الراحل ياسر عرفات"، حيث أعلنت كل الفصائل الفلسطينية ومعها أفراد المجتمع أن هذه الاتفاقية سوف لن تصب في خدمة الفلسطينية بل على العكس، ولقد أدرك "الراحل ياسر عرفات " خطأه وأعلن أمام الكثيرين أنه سوف يلغى هذه الاتفاقية ويعلن براءته منها لكن مشيئة القدر كانت أسرع من قراره ورحل عن هذه الدنيا.

فلهذا كل من يكرر مقولة "الفلسطينيين باعوا أرضهم"، عليه أن يدرك أنه أحد أمرين لا ثالث لهما، أولا أنه منافق ومتلون ومزيف للحقائق التاريخية الواضحة وضوح الشمس، أو أن يكون مغفل وجاهل ويحتاج أن يقرأ التاريخ بكل تفاصيله ليعرف عظمة هذا الشعب المظلوم وما هي القضية الفلسطينية التي تشغل بال الكثيرين.
بروفيسور حسين علي غالب بابان